ممدوح الولى يكتب: لا حل لأزمة الدولار إلا بالديمقراطية
قرر مجلس الوزراء الأربعاء الماضى تشديد عقوبة التعامل بالعملات الأجنبية خارج البنوك وشركات الصرافة، بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن عشر سنوات، وبغرامة تساوى المبلغ محل الجريمة، مع مصادرة المبالغ محل الجريمة فى جميع الأحوال.
كما ألزم شركة الصرافة التى يتم إيقاف ترخيصها بسداد مبلغ لا يقل عن مليون جنيه، ولا يتجاوز خمسة ملايين جنيه، كذلك قرر عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تجاوز خمسة ملايين جنيه، لمن يقوم بتصدير العملات الأجنبية بخلاف البنوك، ولشركات الصرافة التى لا تقدم بيانات عن تعاملاتها بالعملات الأجنبية للبنك المركزى.
ويظل السؤال.. هل تفلح تلك العقوبات فى تحقيق وفرة الدولار، والذى لم تنجح فى تحقيقه العقوبات الحالية بقانون البنوك، والتى تعاقب بالحبس لمدة لا تجاوز ثلاثة أشهر، وبالغرامة من خمسة إلى عشرين ألف جنيه لمن يقومون بإخراج أو إدخال أكثر من عشرة آلاف دولار للبلاد.. وكذلك عقوبة الغرامة التى تتراوح ما بين عشرة إلى عشرين ألف جنيه لكل من تعامل بالنقد الأجنبى خارج البنوك وشركات الصرافة، ولمن قام باستيراد أو تصدير النقد الأجنبى، ولشركات الصرافة التى تمتنع عن تقديم بيانات عن تعاملاتها فى النقد الأجنبى.
وبالطبع لم تنجح تلك العقوبات الحالية فى تحقيق الاستقرار لسوق الدولار، وكذلك لن تفلح الإجراءات المشددة الجديدة فى تحقيق نفس الهدف، لسبب أساسى وهو أن المشكلة تتعلق بنقص المعروض من النقد الأجنبى، نتيجة تراجع حصيلة إيرادات السياحة وتحويلات المصريين والمعونات الأجنبية والتصدير وقناة السويس حتى بعد التفريعة السابعة لها.
إذًا.. هناك فجوة عرض حادة لا يقوم البنك المركزى بردمها، حتى عندما كان يقوم بضخ كميات من الدولارات للبنوك، كان يلزمها فى بعض الأحيان بإعادة وضع تلك المبالغ لديه كوديعة، وعندما يعلن عن زيادة الاحتياطيات فالسوق يعرف أن الزيادة قادمة من القروض.. وها هو البنك المركزى يكشف عن زيادة القروض الخارجية بحوالى 5 مليار و653 مليون دولار خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام الحالى.
ثبات الاحتياطى رغم القروض الخارجية
ورغم تلك القروض الإضافية لم يزد صافى الاحتياطيات من العملات الأجنبية بالبنك المركزى، سوى بنحو 116 مليون دولار فقط خلال تلك الشهور الثلاثة، وكانت المفاجأة أن سبب الزيادة بتلك الشهور كان إعادة تقويم الذهب داخل الاحتياطى.. والذى زادت قيمته بنحو 322 مليون دولار، بينما انخفضت أرصدة العملات الأجنبية داخل الاحتياطى بنحو 212 مليون دولار خلال الثلاثة، ورغم الزيادة الضخمة بالقروض الخارجية.
وها هو البنك المركزى لا يستجيب لمطلب البرلمان بتخصيص نسبة 25 % من حصيلته الدولارية لقطاع الصناعة، والنتيجة شكوى من صعوبة تدبير الدولار وخفض الطاقات الإنتاجية بنسب عالية، وها هو الاتحاد الدولى للنقل الجوى يعلن عن تأخر مستحقات شركات طيران أجنبية تعمل فى مصر بنحو 291 مليون دولار خلال أربعة أشهر وألمح إلى إمكانية قيام تلك الشركات بوقف بيع تذاكرها مما يقلل عدد الرحلات.
مناخ الاستثمار وتفادى العقوبات البدنية
وكانت الإدارة الاقتصادية للبلاد فى ظل اللجنة الاقتصادية بالحزب الوطنى، قد اتجهت خلال إعدادها لعدد من القوانين الاقتصادية لاستبدال العقوبات البدنية بعقوبات مالية لتحسين مناخ الاستثمار، وها نحن نتراجع عن ذلك المسلك.
ومن شأن التشدد الجنائى مع المتعاملين خارج البنوك وشركات الصرافة نقل التعاملات مرة أخرى إلى دول الخليج والخارج، ليقوم الوسطاء بتحويلها مباشرة إلى الشركات الموردة بالخارج، مما يقلل التحويلات الداخلة، ويقلل استفادة البنوك من عمولات تلك التحويلات.
والغريب أن محافظ البنك المركزى قد صرح قبل أيام قليلة بأن إلغاء القيود على إيداع وتحويل النقد الأجنبى قد ضاعف الحصيلة بالبنوك عشر مرات، أى أن مناخ الحرية والمنافسة السعرية هو الكفيل بجذب الدولار إلى البنوك، لكنه فى حالة وجود فارق فى القيمة يتجاوز الجنيهين فى الدولار الواحد، بين البنوك والسوق الموازية فإن هذا الفارق الكبير مع المبالغ الكبيرة يغرى بالمغامرة.
وهكذا تظل الإجراءات الأمنية ليست هى الحل المناسب سواء مع المتظاهرين وأصحاب الرأى والمعارضين، فما بالنا بالنواحى الاقتصادية التى تقوم على مبدأ المكسب والخسارة، وتتطلب حرية المتعاملين حتى تنشأ الثقة، وبدون ذلك فنحن نعطى صورة سلبية للمستثمرين، فمن لديه مصنع ليس لديه دولارات لاستيراد المواد الخام أو الوسيطة، فعليه تعطيل الإنتاج حتى تدبر البنوك له العملة ولو بعد شهور.. وكذلك للسياح العرب الذين سيجدون أنفسهم فى مأزق مع الفارق الكبير بين سعر الصرف الرسمى وغير الرسمى، والمخاطر التى تلحق بهم لو تعاملوا خارج البنوك والصرافة.
ويظل الحل الجذرى لمشكلة الدولار مزيدا من الديمقراطية والعدالة لتحقيق الاستقرار الاجتماعى والسياسى الذى سينعكس إيجابيا على مناخ الاستثمار، فيزيد الإنتاج المحلى بما يزيد الصادرات ويقلل الواردات، وبما يغرى المستثمر الأجنبى على القدوم، بعد أن يشاهد إقبال المستثمر المصرى، ومع الاستقرار ستعود السياحة وسيعود جزء من التحويلات والمعونات، لتزيد الموارد الدولارية لتقلل الفجوة الدولارية، التى لن يفلح تشديد العقوبات على المتعاملين وحده فى تضييقها.