ممدوح الولي يكتب : استمرار نزيف الهيئات الاقتصادية المصرية
خمسون هيئة اقتصادية مصرية مملوكة بالكامل للحكومة، تعمل في مجالات متعددة منها: الصناعة، والبترول، والكهرباء، والنقل، والاتصالات، والتجارة، والإسكان، والصحة، والإعلام، والسياحة، والتأمينات.
بلغ مجموع ميزانياتها بالعام المالي الأخير 2014/2015 نحو 1 تريليون و63 مليار جنيه، وهو رقم ضخم بالمقاييس المصرية، وتستخدمها الدولة في أداء الخدمات الخاصة بنشاطها النوعي، كما تحصل الدولة على الفوائض التي تحققها باعتبارها مملوكة لها، كما تستفيد من حصيلة الضرائب والرسوم التي تدفعها عن أنشطتها.
إلا أن ذلك نتيجة عدة عوامل منها تسعير الخدمات التي تقوم بها بعض تلك الهيئات مثل هيئة السكة الحديد، وهيئة النقل العام بالقاهرة والإسكندرية، أو تكدسها بالعمالة بما يزيد كثيرا عن احتياجاتها مثل هيئة اتحاد الإذاعة والتلفزيون، الذي تتبعه القنوات التلفزيونية والإذاعات الرسمية.
أو لصغر حجم رؤس الأموال والاضطرار للاقتراض الذي زادت أعباؤه، وأصبح من الصعب حتى سداد أقساطه، وتعيين الموالين لنظام الحكم خاصة من اللواءات الخارجين من الخدمة بالقوات المسلحة.
فقد أدت تلك العوامل وغيرها إلى خسارة عدد كبير من تلك الهيئات، بلغ عددها 25 هيئة بالعام المالي الأخير، ولذلك تتدخل الدولة من خلال دعم أسعار خدمات بعضها، والمساهمة في رؤوس أموال بعضها بشكل دوري، كوسيلة لضخ أموال لمساندة الهيكل المالي المختل، نتيجة ضخامة الديون والخسائر بالمقارنة مع حقوق الملكية التي تآكلت منذ سنوات ببعض الهيئات.
وفي العام المالي الأخير 2014/2015 بلغ ما قدمته الحكومة المصرية للهيئات الاقتصادية أكثر من 150 مليار جنيه، معظمها في صورة دعم وإعانات إلى جانب المساهمات برأس المال.
وتتركز تلك الإعانات والدعم في هيئة التأمينات الاجتماعية نتيجة مساهمة الحكومة في صندوق التأمين الاجتماعي على العاملين بالحكومة حيث يعمل لديها 5.9 ملايين موظف، وصندوق التأمين الاجتماعي للعاملين بقطاع الأعمال العام والخاص.
وكذلك لهيئة السلع التموينية لدعم السلع التموينية والخبز، والهيئة العامة للبترول لدعم أسعار المنتجات البترولية، من بنزين، وسولار، ومازوت، وغاز طبيعي، وبوتوغاز، وكيروسين، والتي يتم بيعها بأقل من تكلفة إنتاجها. ودعم هيئة التنمية الصناعية لترفيق المناطق الصناعية بالمحافظات.
وبالطبع، وعلى الجانب المقابل، تقدم تلك الهيئات للحكومة فوائض الأرباح التي تحققها، وتدفع ضرائب ورسوم على أنشطتها بلغ مجموعها 97.5 مليار جنيه بالعام المالي الأخير.
ومن هنا يتضح العجز الذي تمثله علاقة تلك الهيئات بالحكومة والذي بلغ حوالي 53 مليار جنيه، وهو عجز استمر خلال السنوات الماضية حيث بلغ 89.5 مليار جنيه بالعام المالي 2013/2014، و75 مليار جنيه بالعام المالي 2012/2013.
وهو عجز مرشح للاستمرار بالسنوات القادمة، في ضوء استمرار مشاكل العمالة وكبر حجم الأجور التي بلغت 21 مليار بالعام المالي الأخير، ومتوقع بلوغها 24 مليار جنيه بالعام المالي الحالي، وكذلك تسعير بعض الخدمات وضعف الإدارة والتسويق، حيث توقعت وزارة المالية المصرية بلوغ تلك الفجوة من العجز في علاقة الموازنة الحكومية بالهيئات الاقتصادية 24 مليار بالعام المالي الحالي 2015/2016 والذي ينتهي خلال شهر، وزيادة ذلك العجز بالعام المالي القادم ليصل 37.5 مليار جنيه.
ورغم وجود هيئات اقتصادية رابحة تحقق نتائج جيدة أبرزها هيئتي البترول وقناة السويس، إلا أن هاتين الهيئتين تستحوذان على 75 % من إجمالي أرباح الهيئات الرابحة، وبما يشير لتدني رقم أرباح كثير من الهيئات الرابحة والذي بلغ أقل من 3 ملايين جنيه بهيئة تحكيم القطن، و1 مليون جنيه فقط بهيئة تعاونيات البناء والإسكان.
لكن على الجانب الآخر تتركز نحو 90 % من خسائر الهيئات الخاسرة، في هيئة السكة الحديد وهيئة اتحاد الإذاعة والتلفزيون، مع تدهور نوعية الخدمة بهيئة السكة الحديد، رغم سماح الحكومة لها بتعديل أسعار خدماتها أكثر من مرة.
أما اتحاد الإذاعة والتلفزيون، ورغم وقف التعيينات الجديدة منذ سنوات، بما أدى لخفض العمالة به تدريجيا مع خروج بعض العاملين الدوري للمعاش. لكن التزام قنواته وإذاعاته بالرأي الرسمي قد أدى لانصراف الجمهور عن قنواته، وبالتالي انصرف المعلنون، مما زاد من الخسائر التي زادت عن 5 مليارات جنيه بالعام المالي الأخير، ويتوقع استمرارها بالسنوات القادمة، ما أدى إلى تحمل الخزانة العامة أجور العاملين بالاتحاد والتي تأتي شهريا من وزارة المالية بواقع 220 مليون جنيه.