فهمى هويدي يكتب: مهرجان السكوت للجميع
حين يهدد رئيس البرلمان (نواب العسكر) بمعاقبة النواب الذين ينتقدون سياسة الحكومة فى مصر، فإننا نصبح إزاء كارثة متعددة الأوجه. ذلك أننا نفهم أن البرلمان هو المكان الوحيد الذى يستطيع النواب أن يعبروا تحت قبته على كل ما يعن لهم من آراء، فى حماية الدستور الذى أضفى على كلامهم حصانة خاصة لا تتوفر لغيرهم. لكننا فوجئنا برئيس البرلمان الذى هو أستاذ للقانون الدستورى بالأساس يطلب من أعضاء البرلمان عدم انتقاد السياسة النقدية، ويهدد بمعاقبة من يجرؤ على ذلك. وقد أعلن ذلك فى جلسة علنية قال فيها إن لجنة القيم فى انتظار أى نائب يهاجم السياسة النقدية. ولم تكن تلك الصدمة الوحيدة، لأن الدكتور على عبدالعال، أراد أن يكحلها فأعماها كما يقول المثل الشائع. إذ إنه بنى تهديده على حجة خلاصتها أن بعض النواب الذين ينتقدون سياسة البنك المركزى يتلقون تدريبات فى بعض المراكز المتخصصة التى تتبنى سياسة مرسومة تستهدف «هدم الدولة».
وتبين أن من بين المراكز «المشبوهة» التى أشار إليها مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام ــ صدمنا الدكتور عبدالعال أيضا حين ذكر أن تقييد حرية التعبير معمول به فى ديمقراطيات العالم واستشهد بالولايات المتحدة أثناء حرب الخليج وكيف أن الشعار الذى رفع آنذاك كان يرفض أن يرتفع صوت فوق صوت الرقيب العسكرى. فى مفارقة مدهشة قارن فيها رئيس البرلمان بين انتقادات بعض النواب للسياسة النقدية المصرية تحت قبة البرلمان أو فى البرامج التليفزيونية وبين قيادة الولايات المتحدة لتحالف ضم ٣٤ دولة لتحرير الكويت من الغزو العراقى.
أساء الدكتور عبدالعال إلى نفسه وإلى مجلس النواب (نواب العسكر)، حين تصرف كناظر مدرسة وتعامل مع النواب باعتبارهم تلاميذ يتلقون التعليمات التى تحدد لهم ما ينطقون به وما يسكنون عليه. ورغم أن الحجج التى أوردها مردود عليها، إلا أن دعوته إلى إسكات النواب وترهيبهم تظل الأخطر، ليس فقط فى ذاتها ولكن أيضا فى سياقها ودلالاتها.
إذ فى حين نشرت جريدة «الشروق» مع الصحف الأخرى تحذيرات رئيس البرلمان وتهديداته يوم الاثنين ٢٣/٥ فإن العدد الصادر فى اليوم التالى (٢٤/٥) تضمن على صفحته الأولى خبرا تحت العنوان التالى: وزير العدل للقضاة: ممارسة السياسة ممنوعة قولا وفعلا. وكان ذلك أبرز ما صرح به وزير العدل فى لقاء له مع وفد نادى القضاة لأن حظر ممارسة القضاة للسياسة أمر مفروغ منه، رغم أن وزير العدل الذى أقيل فى السابق كان يتصرف باعتباره زعيما سياسيا، إلا أن الجديد فى الحظر التحذير من مجرد التعبير عن الاهتمام بالسياسة وليس ممارستها.
يؤيد ذلك أن النائب العام أصدر فى ٣ مايو الحالى كتابا دوريا عممه على أعضاء النيابة العامة طالبهم فيه بعدم التدوين على مواقع التواصل الاجتماعى بشأن أية أحداث تتسم بالطابع السياسى أو حتى التعبير عن الاعجاب بأية صفحات أو أخبار ذات دلالة سياسية. وذكر فى كتابه الدورى أنه «تلاحظ فى الآونة الأخيرة قيام بعض أعضاء النيابة العامة بالتدوين على المواقع الإلكترونية فى شأن بعض الأحداث الجارية فى البلاد والتى تتسم بالطابع السياسى بالمخالفة لما توجبه التعليمات القضائية من عدم الجهر بالآراء السياسية أو التعليق على ذلك بما ينال من حيدة النيابة وهيبتها». وسبق صدور هذا الكتاب الدورى قرار لوزير العدل بإحالة عشرة قضاة للصلاحية بسبب انتقادهم للتنازل عن جزيرتى تيران وصنافير.
لا يحتاج المرء لبذل أى جهد لكى يستنتج أن التحذيرات التى أطلقها رئيس البرلمان والنائب العام ووزير العدل وراءها سبب واحد يتمثل فى محاولة إسكات الأصوات المعبرة عن التململ والنقد التى علت نبرتها خلال الآونة الأخيرة لأسباب مختلفة، كان على رأسها موضوع الجزيرتين.
إلا أننا إذا وسعنا الدائرة بعض الشىء سنجد أن مؤشرات الإسكات والحظر تتزايد حينا بعد حين. إذ فى الوقت الذى تطلق دعوات مراقبة المواقع الإلكترونية وملاحقة نشطائها. تخضع المساجد للمراقبة الدقيقة. ويتم نفس الشىء فى الجامعات، حيث يراقب مدير الجامعة السلوك السياسى للعمداء، وهؤلاء يراقبون الأساتذة، والأستاذة يراقبون الطلاب، والطلاب يراقبون بعضهم البعض. والحاصل فى قطاع التعليم له نظيره فى مجال الإعلام الورقى والتليفزيونى وبالتوازى مع ذلك تتم ملاحقة منظمات المجتمع المدنى الحقوقية المستقلة، إلى حد توجيه الاتهام لمن أعد مشروع قانون لوقف التعذيب وتقرير إغلاق مركز لعلاج ضحايا التعذيب. وليس بعيدا عن ذلك المسار توالى صدور قرارات حظر النشر فى قضايا لا علاقة لها بالأمن القومى، وقد صدر منها حتى الآن نحو ١٦ قرارا خلال السنتين الأخيرتين.
يحدث كل ذلك فى الوقت الذى يقال فيه إن مصر تشهد تطورا غير مسبوق فى حرية التعبير، كما ينص الدستور على حرية تداول المعلومات التى تعتبر ملكا للشعب، وهو ما يعنى أن الهوة تتسع بين الأقوال والأفعال وإن الذى يشوه صورة مصر ليس معارضوها فى الخارج، ولكنها السياسات المتبعة فى الداخل التى باتت أحوج ما تكون للإصلاح وليس الإسكات وللتصويب والترشيد وليس التكميم.