
عشر سنوات من الضنك والإفقار
بقلم.. عامر شماخ
مرّ عقدٌ كاملٌ على انقلاب العسكر الذى وقع يوم الأربعاء (3 يوليو 2013)، هو بمثابة عشرية سوداء، تحوّلت مصر خلالها من دولة خطت أولى خطواتها نحو الديمقراطية والنزاهة السياسية إلى دولة قزمة تعانى الفقر والفساد، كما تعانى السلطوية والاستبداد، ومن اقتصاد شبه خال من الأزمات إلى اقتصاد منهار على وشك الإفلاس.
نحن حيال اقتصاد مثقل بالديون وعجز الميزان التجارى بين الصادرات والواردات، لقد بلغت فوائد الدين العام الواجب سدادها إلى (114%) من إجمالى الإيرادات العامة، ما يعادل (1120) مليار دولار؛ ما دفعهم إلى فرض مزيد من الضرائب والمكوس، والتوسّع فى الاقتراض للإنفاق على مشروعات مظهرية تمجّد أشخاصهم، دون الالتفات إلى المشروعات الإنتاجية التى تضخ فى صالح المواطنين، حتى قفز الدين الخارجى في السنوات العشر نحو خمسة أضعاف؛ ما يجعل مصر ثانى أكبر مدين لصندوق النقد الدولى بعد الأرجنتين، رغم ما حصل عليه الانقلابيون من الخليجيين من دعمٍ مالى قُدِّر بـ(92) مليار دولار، فأين ذهبت كل هذه الأموال؟!
فى هذه العشرية قفزت أسعار السلع الغذائية الأساسية بمتوسط بلغ (700%)، حتى قفز سعر زجاجة زيت الطعام إلى (70) جنيهًا بدلاً من (3) جنيهات فى عام 2012، وصار أكل اللحوم حُلمًا لغالبية المصريين بعد أن تخطى سعرها الـ(300) جنيه، وحتى بروتين الفقراء (أى الدواجن) صار بعيد المنال بعد أن ارتفع سعر الدجاجة من (20) جنيهًا عام 2012 إلى (170) جنيهًا عام 2023، ومثّل الارتفاع المطرد فى أسعار المحروقات مشكلة كبيرة تأثرت بها باقى السلع والخدمات وجميع الأنشطة الحياتية، وقد ارتفعت أيضًا بنسبة تقترب من الـ(700%).
ومنذ عام 2014 والمصريون يعانون الفقر المدقع بعد رفع الدعم عن السلع التموينية والوقود، وزيادة أسعار شرائح الكهرباء والمياه والغاز التى ارتفعت بمعدلات تجاوزت الـ(800%)، ثم كارثة (تعويم الجنيه) التى نسفت قيمته وارتفعت معها الأسعار جميعًا وبصورة جنونية، ومنها أسعار الطعام والدواء، ومنذ ثلاث سنوات لم يفصح النظام عن بيانات معدلات الفقر التى اعتاد «الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء» نشرها، وذلك بعدما تفاقمت نسب الفقر وعجز الغالبية عن توفير المتطلبات الأساسية للأسرة، غير أن «البنك الدولى» أكّد فى تقرير له صدر فى مايو 2019 أن نسبة الفقر فى مصر بلغت (60%) فى حين أن المعدل العالمى لا يزيد على (8.6%).
وجرّاء الفشل في إدارة البلاد تدنّت قيمة الجنيه حتى انهار أمام الدولار، وانخفضت قوته الشرائية كما لم تنخفض فى تاريخه، وفى محاولات لإنقاذه -بتعليمات من صندوق النقد الدولى- قاموا بتعويمه أكثر من مرة لكن دون جدوى، وإزاء حتمية استيراد نحو (70%) من احتياجاتنا الغذائية وضرورة الحصول على العملات الأجنبية صار ذلك عنصر ضغط على الجنيه؛ فتخطى سعر الدولار مؤخرًا الـ(40) جنيهًا ومن المتوقع زيادته إلى (50) جنيهًا خلال فترة قصيرة، فى حين لم يزد سعره على (7) جنيهات قبل وقوع الانقلاب المشؤوم. لقد أدى قرار تعويم العملة فى عام 2016 وحده إلى فقدان الجنيه لأكثر من (50%) من قيمته؛ ما أدى إلى زيادة معدلات التضخم إلى درجات غير مسبوقة وإلحاق الضرر بأكثر من (100) مليون مصرى.
ونتيجة الغلاء الفاحش والقلق من المستقبل، يتعرض المصريون، خصوصًا الشباب، لضغوط نفسية شديدة نتج عنها ظواهر مجتمعية مزعجة؛ مثل زيادة العنف الأسرى وجرائم القتل بين أفراد العائلة، ولجأ الشباب إلى الهجرة غير الشرعية بعدما صار غريبًا فى وطنه، وبعدما أُغلقت أمامه الأبواب جميعًا؛ إذ هناك تردٍ اقتصادى لم تشهده البلاد من قبل، وهناك ارتفاع كبير فى الأسعار يأكل من رصيد كرامته، وهناك انهيار فى قيمة العملة يمنع الاستقرار، وهناك مرضى لا يجدون علاجًا، وهناك إهمال حكومى على المستويات كافة، وعجز خدمى واضح لا تستقيم معه الحياة فى هذا البلد المبتلَى.